الأحد، 14 مارس 2010

القرار جماعي في الشركات اليابانية .. وشركاتنا مستمرة في «التعتيم» وتغطية الأخطاء

د.سعود بن عبد العزيز الشبيلي
طورت الشركات اليابانية نظاماً فريداً لصناعة واتخاذ القرار تشارك فيه الإدارة والموظفون بشكل جماعي باستخدام وثيقة مخصصة لهذا الغرض تسمى (رنقي شو).
يبدأ المسار بقيام مدير الإدارة المختصة بصياغة الموضوع وخلفيته وأسبابه والنتائج المتوقعة من القرار المقترح - بعد التشاور مع موظفيه - في وثيقة (رنقي شو).
يعقب ذلك توزيع الوثيقة على جميع الإدارات الأخرى في الشركة لإبداء الرأي كتابةً بالموافقة أو التحفظ وإعادتها للإدارة المختصة لتبدأ اجتماعات مطولة لتحسين القرار والوصول إلى توافق جماعي يضمن دعم القرار فيما بعد.
ويصبح القرار نهائيا متى ما وقع كبار المديرين التنفيذيين على وثيقة (رنقي شو) حيث تشرع الإدارة المختصة في تطوير الخطط والجداول الزمنية والتكاليف التفصيلية ليبدأ التنفيذ الفوري.. قرار متأن وتنفيذ سريع ومتقن.
جدير بالذكر أن مسؤولية تبعات تنفيذ القرار تبقى محصورة بين كبار المديرين التنفيذيين ومدير الإدارة المختصة دون تعريض الإدارات الأخرى وعموم الموظفين لأي مساءلة، فدورهم ينحصر في إبداء الرأي فقط.
وما زلت أتذكر بحزن شديد النهاية المأساوية التي وضعت حداً لحياة صديق ياباني عمل مديراً عاماً في شركة كبرى لأنه حمّل نفسه مسؤولية دفع الآخرين إلى اتخاذ قرار استثماري في دولة آسيوية ثبت عدم جدواه فيما بعد، ولا أدري ماذا سيحل برئيس شركة تويوتا جراء تحمله مسؤولية أخطاء صناعية أخيرا أمام الكونجرس الأمريكي؟
وتعود طريقة اتخاذ القرار بشكل جماعي إلى كون اليابانيين يفكرون ويقررون وينفذون معاً في جميع أمور حياتهم بمقتضى روح الانسجام والولاء، كيف لا وقد تربوا منذ الطفولة على أن مصلحة الفرد جزء لا يتجزأ من مصلحة المجموعة التي ينتمي إليها.
كما أن الثقافة اليابانية تشجع الأفراد على نكران الذات والانصهار في المجموعة لدرجة أن المثل الشعبي الياباني ينص على ''أن المسمار الذي يبقى عالياً دون النزول مع سائر المسامير يتلقى ضرب المطرقة على رأسه منفرداً''.
بعد تعامل مباشر امتد لسنوات طويلة مع الشركات اليابانية تبين لي مزايا وعيوب نظام اتخاذ القرار ومتطلبات نجاحه، فمن مزايا النظام ما يلي:
* تحفيز المشاركة الجماعية في اتخاذ القرار.
* تجنيد الموارد البشرية كافة لدعم القرار.
* سرعة تنفيذ القرار وفق الخطط الموضوعة.
* إشعار الموظفين كافة بأهمية آرائهم.
* تعزيز ولاء وانسجام الموظفين والإدارة.
طبعاً، نظام اتخاذ القرار في الشركات اليابانية تشوبه عيوب ومنها على سبيل المثال:
* بطء مسار اتخاذ القرار واستغراقه وقتا طويلا.
* صعوبة اتخاذ قرارات فردية طارئة.
* فقدان رئيس الشركة والمديرين صلاحيات القيادة.
ثمة متطلبات عدة لنجاح مسار اتخاذ القرار المتبع في الشركات اليابانية، يمكن تلخيصها على النحو التالي:
* معرفة تامة برؤية ورسالة وأهداف الشركة.
* تدوير الموظفين على الإدارات للإلمام بمهامها.
* تعزيز روح التعاون بين الإدارات المختلفة.
* إذابة الحوافز النفسية بين المديرين الموظفين.
* إحلال أسلوب التحفيز بدلاً من التسلط الإداري.
في رأيي أن نقل نظام صناعة واتخاذ القرار الجماعي كما هو مطبق في الشركات اليابانية إلى بيئة الأعمال السعودية - التي تتسم بالتسلط الإداري والقرارات الفردية - لن يكون أمراً سهلاً، ولكن ما لا يدرك جله لا يترك كله.
هذا يتطلب تغيير الحالة الذهنية النمطية لدى بعض المديرين في شركاتنا بأن الموظفين السعوديين غير قادرين على المشاركة في اتخاذ القرار، إضافة إلى الكف عن تهميش الخبرات السعودية والحد من الاستعانة بمستشارين أجانب لصناعة قرارات استراتيجية يجنون من ورائها ملايين الدولارات، ثم يحزمون حقائبهم ويغادرون دون أي مساءلة عن تبعات هذه القرارات، مستخفين بعقولنا وجيوبنا.
وأتساءل مثل غيري ما الفائدة من بعض كبار المديرين التنفيذيين في شركاتنا المساهمة الذين يتقاضون رواتب خيالية ويديرون شركاتهم بالبريد الإلكتروني لكثرة أسفارهم، إذا كانوا يلجأون إلى الخواجات في كل كبيرة وصغيرة.
ويتردد كثير من مديري الإدارات والموظفين في شركاتنا المساهمة في إبداء معارضتهم لتبني كبار المديرين التنفيذيين قرارات المستشارين الأجانب حتى لو كانت استحواذات خارجية مكلفة لا تصب في مصلحة الشركة ولا المساهمين خوفاً من تجميدهم أو فصلهم لأسباب ملفقة وهم في أوج عطائهم، لينتهي بهم الحال وأسرهم في الشارع.
وفي هذا السياق، يحضرني مثال لشركة بتروكيماوية أحلت مستشارا أجنبيا متخصصا في علم النفس قليل الخبرة كان عاطلاً عن العمل لفترة طويلة في دولة خليجية محل موظف سعودي تفانى في خدمة الشركة سنوات طويلة، مما أجبره على الاستقالة حفاظاً على كرامته وغيره الكثير.
في الشركات اليابانية يُتخذ القرار بشكل جماعي وتبقى مسؤولية تبعات أي قرار خاطئ يضر بمصالح الشركة والمساهمين محصورة على الإدارة العليا الذين لا يترددون في الاعتذار، وربما الاستقالة، أو حتى ارتكاب حماقة بحق أنفسهم. أما في شركاتنا المساهمة فيتم تسخير آلة الشركة الإعلامية للتعتيم على أخطاء كبار المديرين التنفيذيين وتصويرها بشكل مغاير حفاظاً على الكرسي والأمل في الإدارات القادمة لتصحيح أخطاء الماضي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق