الأربعاء، 17 مارس 2010

عند اختيار المدير العام!!

محمد المهنا أبا الخيل
كثير من الإخفاق الذي يلم ببعض المؤسسات والشركات السعودية، خصوصاً تلك التي يتمتع منافسوها بازدهار نسبي، مردود لإخفاق المدير العام في تحقيق أهداف المؤسسة وقصوره عن تفعيل قدراتها التنفيذية، هذا الواقع يفرض على مجلس الإدارة النظر في قدرته على انتقاء وتوظيف المدير العام القادر على تنفيذ رؤية الشركة وتطلعاتها، ومع كون ذلك مسلمة فطرية في التفكير إلا أن كثيرا من مجالس إدارات الشركات يقع أسير حتمية الخطأ في رهن عملية الاختيار تلك لحسابات غير عملية وهو ما يهدد فعالية الكيان الاقتصادي الوطني.

إن اختيار المدير العام هو من أهم أدوار مجلس الإدارة إن لم يكن الأهم، فالمدير العام هو من يستوعب تطلعات مجلس الإدارة ويصيغ مع المجلس التوجهات الاستراتيجية للشركة ثم يضع الخطط التنفيذية وينظم العمل ويختار المساعدين من التنفيذيين ويفوض الصلاحيات ويحمل المسؤوليات، ويضع معايير الأداء ويفتح قنوات الاتصال لتدفق المعلومات بين مختلف طبقات الهيكل التنظيمي بما يعزز العمل الجماعي وييسر التغذية الراجعة (Feedback)، المدير العام المتميز هو من يحفظ التوازن داخل المنظمة بحيث يشعر كل عضو فيها بقيمة عطائه ويدرك أهمية دوره إلى جانب إحساسه بعدالة علاقته بالمؤسسة وزملائه في العمل، المدير العام المتميز هو من يشبع كل موظف لديه بالمسؤولية ولا يتخمه بالمهام وهو من يفوض دون أن يفرط وهو من يترك التفاصيل لمساعديه وهو ملم بآلية منظمته في الكسب والتوفير, عينه على المنافسين يرقب حركاتهم وسكناتهم بحذر ويتفحص كيانه التنفيذي فيصلح العطب ويستلهب الهمم، المدير العام المتميز هو ذلك الذي لا يتحدث عن منظمته بصيغة الأنا بل بصيغة نحن، لإدراكه أن النجاح المؤسسي هو نتيجة جهد متراكم من أدنى الهرم التنفيذي لقمته - سئل عامل تنظيف في ناسا “ماذا تفعل؟” فقال “أساهم في وضع إنسان على القمر” - المدير العام المتميز من يجعل جميع الموظفين يتفقون على هدف واحد هو تحقيق أهداف المؤسسة.
كثير من الشركات السعودية يقبع في قمتها التنفيذية مدير عام مضى عليه في ذلك الموقع عقد أو أكثر من الزمن ولم تتغير تلك الشركات منذ أن تولاها إلى يومه، هي لم تمت ولكنها لا تنمو، ومن هؤلاء المديرين المخضرمين من توالى عليه أكثر من مجلس إدارة واستطاع أن ينجو بمنصبه منهم، كيف استطاع ذلك؟ لا شك أنه لم يكن ذا قدرة خارقة ولكن المجلس كان ذا قدرات ضعيفة ومشتتة عرف كيف يستفيد من تناقضها وتمرس على ذلك، لقد بات سائداً بين هؤلاء المديرين المخضرمين سعيهم عند كل دورة لمجلس الإدارة إلى التدخل في اختيار المجلس من خلال بناء شبكة من العلاقات المؤثرة بين المساهمين والتأليب على من لا يرغب والتمجيد لمن يراد ويجتهد المدير العام في إشعار المجلس المنتخب بفضله عليهم وقدرته على حشد تأييد المساهمين لهم وهو بذلك يرهنهم للولاء له، هؤلاء المديرون العامون بدلاً من توجيه طاقتهم لإدارة الشركة يوجهونها لإدارة المجلس والمساهمين.
إن على مجلس الإدارة في كل دورة أن يقيم قدرة المدير العام على تحقيق تطلعات المساهمين وأن يتعامل مع المدير العام كما لو كان مرشحاً لوظيفة شاغرة فلا حق مكتسبا له فيها، وعلى المجلس أن يقيم ذلك مع البحث عن بديل محتمل للمدير العام, هذا النمط في تعامل مجلس الإدارة مع المدير العام لو ساد لكان وسيلة لتفعيل عملية الانتقاء الطبيعي ولأصبح لدينا مديرون عامون بقدرات فائقة، فمن يفشل في عمله سيخلق فرصة لقادم أفضل وهذا النمط سيكون دافعاً لكل من يسعى لوظيفة المدير العام أو من يشغلها للاكتساب الذاتي تطوير القدرات والمهارات الخاصة، كما سيجعل وظيفة المدير العام ذات قيمة اجتماعية نفعية كل يجتهد لنيلها الأمر الذي يكثر من الخيارات أمام مجالس إدارات الشركات.
من المسلم به أن اختيار المدير العام عملية إجرائية معقدة أحياناً وتستهلك جهدا ووقتا ثمينين، لذا لا بد أن يخصص مجلس الإدارة لجنة من لجانه يكون همها الوحيد هو اختيار وتقييم المدير العام، وتستعين تلك اللجنة باستشاريين مستقلين لوضع معايير الاختيار والتقييم، وتقوم تلك اللجنة بتتبع نشاط المدير العام دون التدخل في عمله فتتبعه يهدف للوصول لتقييم أداء المدير العام وليس إرشاده أو تحسين أداء عمله، وتقوم اللجنة بين الحين والآخر بمقابلة المدير العام بصورة فردية للاستفسار عما يشكل على اللجنة فهمه من قرارات أو تصرفات قام بها المدير العام. في كثير من الشركات العالمية تسمى هذه اللجنة بلجنة التوظيف والمكافآت ودورها ينحصر في توظيف المدير العام والقيادات العليا في الشركة، بالتنسيق مع المدير العام تقيم الأداء وتحدد الأجور والمكافآت للإدارة العليا، لذا نتمنى أن نرى لجنة مماثلة في مجالس إدارات الشركات السعودية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق