الأربعاء، 17 مارس 2010

الحد الأدنى للأجور بين التأييد والمعارضة


الحد الأدنى للأجور تشريع حكومي إلزامي يمنع انحدار أجور العمالة تحت مستوى معين. ويتم عادةً تحديد هذا الأجر في الساعة كيلا يتم التحايل على القانون بإجبار العمالة على إمضاء أوقات أطول من أوقات العمل المعتادة. وتطبق دول كثيرة أنظمة الحد الأدنى من الأجور منذ فترة طويلة من الزمن يرجع عديد منها إلى أكثر من 50 عاماً. وكانت تشريعات الحد الأدنى من الأجور في هذه الدول تغطي جزءا كبيراً من القوى العاملة في بداية تطبيقها، ومع مرور الوقت صارت تغطي معظم القوى العاملة في اقتصادياتها. وتستفيد العمالة غير الماهرة أو الأقل مهارةً والأقل أجورا من هذا النظام.

والهدف الأساسي من تبني الحد الأدنى للأجور هو ضمان حصول كل عامل على دخل معقول يحول بينه وبين الوقوع في دائرة الفقر. ومن المعروف أن الأجور تكون معظم دخول الفقراء إن لم يكن كلها، ولهذا فإن تدني الأجور هو السبب الرئيس للوقوع في دائرة الفقر. ويعد كثيرون أن تشريع الحد الأدنى للأجور أداة مهمة من أهم أدوات مكافحة الفقر. ويرى مؤيدو تطبيق الحد الأدنى للأجور أنه قد أفلح في خفض عدد الفقراء ورفع مستويات معيشتهم. ويتم تبني مستوى الحد الأدنى للأجور بعد دراسة مستويات توزيع الدخول في المجتمع ومعدلات الأجور التي تتلقاها العمالة. ويصمم الحد الأدنى للأجور كجزء من متوسط الأجور في الاقتصاد أو في القطاع الخاص أو القطاع الصناعي.
والحد الأدنى للأجور مقيم عادةً بقيم اسمية ولا يرتبط آلياً بالتضخم ولا يتغير معه. وتجري مراجعته بصورة دورية ورفعه إلى مستويات جديدة كلما عانى الاقتصاد موجات التضخم. ويتم في البداية تطبيقه على المؤسسات الاقتصادية الكبيرة بما في ذلك المؤسسات الحكومية. ومع مرور الزمن يمكن زيادة تغطيته إلى المؤسسات الأصغر حجماً حتى يغطي معظم المؤسسات والطبقة العاملة. وتغطي تشريعات الحد الأدنى من الأجور في بداية تبنيها عمالة بعض القطاعات الاقتصادية, خصوصاً قطاعات الصناعة واستخراج الثروات الطبيعية والإنشاء والتعمير. وربما تستثنى قطاعات اقتصادية أخرى, لكن ينبغي على الأمد الطويل أن تشمل تغطية الحد الأدنى للأجور كل القوى العاملة في القطاعات الاقتصادية وكل المؤسسات الاقتصادية. وتتسبب التغطية الجزئية لعمالة بعض القطاعات الاقتصادية بتشريعات الحد الأدنى للأجور في تدفق العمالة غير الماهرة إلى القطاعات المغطاة التي تنخفض مستويات التوظيف فيها بسبب تراجع طلب الأعمال على العمالة غير الماهرة. وعلى العموم تولد التطبيقات الجزئية للأنظمة تشوهات اقتصادية في القطاعات والمؤسسات الإنتاجية.
ويقف أصحاب الأعمال ضد تشريعات الحد الأدنى للأجور لأنه يرفع من تكاليف الأيدي العاملة في مؤسساتهم. كما يعارضه بعض الاقتصاديين الذين يعتقدون أنه يرفع معدلات البطالة، حيث يرون أن الحد الأدنى للأجور يرفع الأجور الحقيقية للعمالة فوق مستويات أجور التوظيف الكامل، وهذا يجبر المؤسسات الإنتاجية على خفض الوظائف. ويجبر هذا بدوره الحكومات على اتخاذ إجراءات تصحيحية لخفض البطالة من خلال التنشيط المالي والنقدي ما يقود إلى ارتفاع الأسعار ويخفض من الأجور الحقيقية بما في ذلك الحد الأدنى للأجور ومن ثم تتم إعادة توظيف العاطلين عن العمل. وبعد فترة من الزمن تدرك المؤسسات التشريعية تراجع القيمة الحقيقية للحد الأدنى للأجور, ما يقودها إلى رفع مستوياته لتعود الدورة السابقة إلى الحدوث من جديد. وهذا يبدو مقبولاً من الوجهة النظرية، لكن تجارب بعض الدول تشير إلى عدم ارتفاع معدلات البطالة بسبب تشريعات الحد الأدنى للأجور, خصوصاً إذا كان الحد الأدنى من الأجور معقولاً وغير مبالغ فيه.
من جهةٍ أخرى يمكن أن يدفع الحد الأدنى للأجور العمالة غير الماهرة إلى رفع مستويات تأهيلها كي تتمكن من الحصول على وظائف بأجور أعلى. كما يدفع الحد الأدنى للأجور الحكومات إلى تبني سياسات وبرامج إعادة تأهيل العمالة غير الماهرة للتصدي للبطالة. ويحفز الحد الأدنى للأجور المؤسسات الإنتاجية على زيادة الاستثمار الرأسمالي ورفع مستويات إحلال العمالة برأس المال. ويرى مؤيدو تبني الحد الأدنى للأجور أن أسواق العمل تزخر بوجود قوى احتكارية في مجالات توظيف العمالة. وتقوم هذه القوى بخفض الأجور إلى مستويات متدنية ما يتسبب في ظلم واضح للفقراء المحتاجين إلى الوظائف الذين يجبرون على قبول أجور متدنية بسبب تدني فرص العمل. ويتطلب التصدي لتدني الأجور المقدمة من القوى الاحتكارية ضرورة وضع حد أدنى من الأجور. ويشترط أن يكون مستوى هذا الحد معقولاً بحيث يرفع من مستويات الأجور ولا يخفض فرص العمل، بل إن هناك بعض الشواهد النظرية التي تشير إلى إمكانية رفع الحد الأدنى للأجور لمستويات التوظيف في القطاعات المحتكرة للعمالة. ولذا ينبغي أولاً استهداف القطاعات التي يوجد فيها عدد قليل من موظفي العمالة للحد من تجاوزات الأعمال التي تظلم أعدادا كبيرة من العمالة.
ويرى مختصون آخرون أن تأثير الحد الأدنى للأجور محدود, وذلك لعدة أسباب, لعل من أبرزها انخفاض عدد العمالة المتأثرة بتطبيق هذا النظام. الحد الأدنى للأجور يوضع عند مستويات منخفضة تقل عن متوسط أجور معظم العمالة, ولهذا فإن تأثيره محدود. كما يتوقف تأثير تشريعات الحد الأدنى للأجور في درجة تطبيق هذا النظام في أرض الواقع, فتفعيل النظام يتطلب مراقبة لمستويات الأجور في جميع القطاعات المغطاة وتبني روادع كافية تطبق في حق المخالفين أو الممتنعين عن تطبيقه. وعادةً ما تكون العقوبات المطبقة في حق المخالفين غير رادعة بالمستوى الكافي، ولهذا يلزم تبني العقوبات المناسبة لردع المخالفين. وقد تتخلى العمالة التي تتلقى أجوراً أقل من الحد الأدنى للأجور عن رفع قضايا ضد المؤسسات الموظفة لها, وذلك للمحافظة على وظائفها, ما يضعف مدى التغطية الفعلية للحد الأدنى من الأجور. وقد تتحايل المؤسسات على أنظمة الحد الأدنى للأجور من خلال خفض المنافع الأخرى التي تحصل عليها العمالة كالإجازات والتأمين الطبي وساعات العمل وعلاوات العمل الإضافي، وبهذا تخفض الأعمال من التكاليف الإجمالية التي تدفعها للعمالة، فالأجور ليست الوحيدة التي تحدد تكاليف العمالة. ويرى المعتقدون بمحدودية تأثير الحد الأدنى للأجور أنه لا توجد شواهد عملية قوية على تأثير قوي له في البطالة أو توزيع الدخل, فليس من الضروري أن تكون العمالة التي تغطيها أنظمة الحد الأدنى من الأجور هي الأقل دخلاً. ويفوت على هؤلاء أن الأجور تشكل معظم دخول الطبقة الفقيرة, فالثروة تتركز في أيدي الأغنياء ولو كان لدى الفقراء ثروات أو دخول من الثروات لما كانوا فقراء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق